شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بالعاصمة الإدارية الجديدة، فعالية إطلاق “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل”، وذلك بحضور عدد كبير من الوزراء ونوابهم، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وسفراء الدول، إلى جانب ممثلي مجتمع الأعمال وشركاء التنمية الدوليين.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد رئيس الوزراء أن السردية الوطنية تمثل رؤية شاملة لمستقبل الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة، وتستند بشكل أساسي إلى تمكين القطاع الخاص ليكون القاطرة الرئيسية لقيادة التنمية الاقتصادية.
وأضاف أن الحكومة تستهدف عبر هذه السردية خفض معدلات الدين العام إلى أدنى مستوى شهدته مصر في تاريخها، بالتوازي مع تحقيق معدلات نمو مستدامة بين 5 و7% سنوياً.
الرد على تساؤلات المرحلة الحالية
أوضح مدبولي أن إطلاق هذه السردية جاء للرد على تساؤلات كثيرة أثيرت مؤخراً، من بينها: هل لدى الدولة رؤية واضحة للمديين القصير والمتوسط؟ وكيف سيكون شكل السياسات بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي؟ وهل هناك تكامل بين أفكار الدولة بعيداً عن العمل في جزر منعزلة؟ مشيراً إلى أن هذه السردية ليست استجابة لحظية أو ردة فعل، بل ثمرة جهد متراكم بدأ منذ تشكيل الحكومة الجديدة في يوليو 2024، امتداداً لخطط وإصلاحات نفذتها الدولة في ظروف استثنائية على مدار السنوات الماضية.
دروس من القمم الدولية
وتطرق رئيس الوزراء إلى مشاركته مؤخراً في قمتي “التيكاد” باليابان و”شنغهاي للتنمية” بالصين، بالنيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث لمس عن قرب ما تواجهه الاقتصادات العالمية من ضبابية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن كل زعماء العالم تحدثوا عن تحديات إدارة الأزمات وارتفاع أعباء الدين، خاصة على الدول الناشئة. وأكد أن هناك مطالب متزايدة لإصلاح مؤسسات التمويل الدولية والأمم المتحدة لتتمكن من مواكبة هذه التحديات.
ثمار الاستثمار في البنية التحتية
وأشار مدبولي إلى أن الدور الأساسي للحكومة في هذه المرحلة هو وضع رؤية واضحة لمستقبل مصر الاقتصادي، مستندة إلى ما تحقق من استثمارات ضخمة في البنية الأساسية واللوجيستية خلال السنوات الماضية، وهو ما مهد الطريق أمام جذب الاستثمارات الجديدة في الصناعة، والسياحة، والقطاعات الإنتاجية الأخرى. وضرب مثالاً بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي شهدت طفرة كبيرة بفضل تطوير الموانئ والطرق وشبكات النقل، ما جعلها وجهة استثمارية جاذبة للمستثمرين العالميين.
مراحل التطور الاقتصادي
وأوضح رئيس الوزراء أن مصر تتبع نفس النهج الذي سلكته الدول الكبرى في مسارها التنموي:
1. التركيز أولاً على البنية التحتية.
2. تنفيذ إصلاحات هيكلية مؤسسية.
3. التوسع في القطاعات القابلة للتداول (الصناعة، السياحة، الاتصالات، الزراعة).
4. التوجه نحو الابتكار.
5. الوصول لاحقاً إلى الصناعات المتقدمة وشديدة النمو.
تحسن المؤشرات الاقتصادية
واستعرض مدبولي أبرز ما تحقق من نتائج الإصلاحات الأخيرة:
- نمو الاقتصاد بمعدل 4.2% في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي، مقابل 2.4% العام الماضي.
- انخفاض التضخم من 25.7% في يوليو 2024 إلى 13.9% في يوليو 2025.
- تحقيق فائض أولي بالموازنة بنسبة 3.6% مع استهداف الوصول إلى 4% العام القادم.
- ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج إلى 36.5 مليار دولار.
- تراجع معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.
أهداف المرحلة القادمة
وأكد مدبولي أن الحكومة تستهدف من خلال السردية:
- خفض الدين العام إلى أدنى مستوى تاريخي.
- زيادة الصادرات بنسبة 20% سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، لضمان طفرة حقيقية في الاقتصاد.
- تبسيط الإجراءات وتعزيز مناخ الاستثمار لتمكين القطاع الخاص.
- وضع جميع السياسات والاستراتيجيات (الصناعة، السياحة، الطاقة، التشغيل، التنمية البشرية، التجارة) في وثيقة واحدة تعكس رؤية مصر حتى 2030 وتمتد إلى آفاق 2050.
حوار مجتمعي شامل
وشدد رئيس الوزراء على أن السردية ستكون “ملكية مشتركة” بين الحكومة والخبراء والمجتمع، وليست خطة حكومية منفردة، حيث سيتم بدء حوار وطني مع مختلف الأطراف، وتشكيل مجموعات عمل متخصصة لكل محور، بإشراف خبراء مستقلين من خارج الحكومة. وأوضح أن هذا الحوار سيمتد لشهرين ونصف، على أن يتم الإعلان عن الصورة النهائية للسردية في مؤتمر موسع خلال ديسمبر المقبل.
تحسين جودة حياة المواطن
واختتم مدبولي كلمته بالتأكيد على أن الهدف الأساسي من كل الإصلاحات والسياسات الاقتصادية هو تحسين جودة حياة المواطن المصري، من خلال خفض الأعباء المعيشية وتوفير فرص عمل جديدة وزيادة الدخل، قائلاً: “الأمر لا يتعلق فقط بالأرقام والمؤشرات، بل بانعكاس هذه الجهود على حياة الناس بشكل ملموس”، معتبراً أن هذه المرحلة تمثل ميلاد عالم جديد يجب أن تستعد له مصر برؤية أكثر شمولاً واستدامة.