صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالأمس، إنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس، أي ضعف النسبة التي كان قد لوّح بها سابقاً على هذه السلعة القيّمة. كما أشار إلى أنه سيعلن قريباً عن رسوم «مرتفعة جداً» على قطاع الأدوية.
وقد أدّى هذا الإعلان إلى قفزة حادّة في أسعار النحاس، حيث سجّل المعدن أعلى مكاسب يومية له منذ عام 1989. وأغلق عقد النحاس لتسليم سبتمبر أيلول، يوم الثلاثاء، مرتفعاً بنسبة 13% عند 5.6855 دولارات للرطل.
وتُعدّ هذه التهديدات أحدث مؤشر على استعداد الرئيس لاستخدام الرسوم الجمركية القطاعية كورقة ضغط على الشركاء التجاريين، ومحاولة لإعادة تشكيل هيكل الاقتصاد الأميركي.
جاء هذا الإعلان بعد يوم واحد فقط من كشف الرئيس ترامب عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات من 14 دولة، تدخل حيّز التنفيذ في الأول من أغسطس آب، وهي: اليابان، كوريا الجنوبية، ماليزيا، كازاخستان، جنوب أفريقيا، لاوس، ميانمار، البوسنة والهرسك، تونس، إندونيسيا، بنغلاديش، صربيا، كمبوديا وتايلاند.
وتأتي هذه الإجراءات بهدف زيادة الضغط على شركاء الولايات المتحدة التجاريين لدفعهم إلى طاولة المفاوضات قبل حلول موعد الأول من أغسطس.
لكن ومع استمرار حالة الغموض التي تكتنف المفاوضات، وسعي بعض الدول للحصول على استثناءات بدرجات متفاوتة من القبول من جانب البيت الأبيض، بدأت الرسوم القطاعية المحدّدة تُلقي بثقلها بالفعل على الشركاء التجاريين وكذلك على المستهلكين داخل أميركا.
وتُعدّ كلٌّ من جنوب أفريقيا وكازاخستان، اللتين شملتهما الرسوم الجديدة يوم الاثنين، من كبار منتجي الألومنيوم، في حين تُعتبر اليابان وكوريا الجنوبية من المنتجين الرئيسيين للصلب.
وكان ترامب قد أعلن الشهر الماضي عن مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم لتصل إلى 50% لمعظم الدول، على أن تُنفّذ هذه الزيادة بدءاً من اليوم التالي مباشرة.
يُعدّ الصلب والألومنيوم من المواد الأساسية في صناعة السلع المعمّرة، مثل السيارات والثلاجات، لكنهما يدخلان أيضاً في تصنيع العديد من المنتجات اليومية التي يستخدمها الأميركيون، مثل السحّابات (السوستة) وأدوات المطبخ.
وتُعدّ الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب والألومنيوم امتداداً لسياسات ترامب التجارية خلال ولايته الأولى، حين فرض في عام 2018 رسماً بنسبة 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألومنيوم، مما أدّى إلى ارتفاعات فورية تقريباً في الأسعار، بحسب ما نقلته «رويترز».
لكن هذه الجولة الجديدة من الرسوم تختلف عن سابقتها في جوانب مهمّة. أولاً، النسب المفروضة حالياً أعلى بكثير —إذ تضاعفت في بعض الحالات مقارنة بالمستويات السابقة. ثانياً، تُفرض الرسوم الجديدة فوق رسوم جمركية أخرى قائمة أصلاً، ما يضاعف من تأثيرها على الأسعار والتجارة.
وقد استند الرئيس ترامب مراراً إلى المادة 232 من قانون توسيع التجارة الصادر عام 1962 لتبرير الرسوم القطاعية التي فرضها. وتُخوّل هذه المادة الرئيس الأمريكي صلاحية تعديل الرسوم الجمركية بشكل أحادي حينما تكون «الأمن القومي» للولايات المتحدة مهدّداً.
في المقابل، تُستخدم مادة قانونية مختلفة تُعرف باسم «المادة 301» لفرض رسوم على منتجات محدّدة من الصين. وقد فُرضت بعض هذه الرسوم خلال الولاية الأولى لترامب، وظلّت قائمة إلى حدّ كبير خلال ولاية خلفه، الرئيس جو بايدن.
ويشير خبراء إلى أنّ السلطة القانونية الممنوحة لترامب في فرض وتعديل الرسوم الجمركية تكون أكثر صلابة حينما يتعلّق الأمر بواردات قطاعية، مقارنةً برسوم «المعاملة بالمثل» الموجّهة حسب الدولة.
وكان ترامب قد استند في فرض الرسوم القُطرية في وقت سابق من هذا العام إلى صلاحيات الطوارئ، وهي الصلاحيات التي يجري الطعن فيها حالياً أمام المحاكم الفيدرالية. وإذا خسر الرئيس القضية، فقد يلجأ مجدّداً إلى الرسوم القطاعية كسلاح بديل لتعزيز النفوذ الاقتصادي الأمريكي.
وقد سبق للرئيس ترامب أن طرح إمكانية فرض رسوم جمركية قطاعية إضافية على منتجات زراعية وهواتف «آيفون» والشاحنات وسلع أخرى، رغم أنه لم تُسجّل حتى الآن أي خطوات تنفيذية بهذا الشأن.
وكان ترامب قد وجّه في وقت سابق وزارة التجارة لإجراء تحقيق بموجب «المادة 232» بشأن واردات النحاس والخشب، لأسباب تتعلّق بـ«الأمن القومي»، على أن تُنشر نتائج التحقيق في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
لكن تصريحاته الأخيرة يوم الثلاثاء تُشير إلى أن الرسوم المرتفعة قد تُطبَّق في وقت أقرب بكثير مما كان متوقّعاً.
وقال ترامب في إشارة إلى النحاس —وهو المعدن الذي يُستخدم على نطاق واسع في الأسلاك الكهربائية داخل المنازل الأميركية: «اليوم، نبدأ بالنحاس».